قرأت هذا الخبر وتوقفت عنده بتمعن شديد من كل النواحي السياسية والديمقراطية ومن خلال مفهوم إدارة الأزمات، وإدارة السياسة العامة في العديد من الدول.
الخبر باختصار هو "أن الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون قرر استقبال زعماء حركه "السترات الصفراء" خلال الأسبوع القادم بقصر الاليزيه وذلك قبل حلول السبت 1 ديسمبر الذي أعلنته الحركة كموعد تعاود فيه التجمهر والتظاهر في شارع الشانزليزيه الشهير مرة أخرى".
الخبر الذي نشرته "البوابة" يوم الإثنين 26 نوفمبر الجاري إن تم فعلا ونفذ ماكرون هذا اللقاء، سيكون تحولا مهما في سياسات فرنسا ورسالة مهمة للعالم والساسة، خصوصا أن الخبر أضاف أيضا "أن أجهزة مديرية الأمن في باريس قد بدأت البحث عن زعماء تلك الحركه في كافه أنحاء فرنسا وأنها بدأت وضع هؤلاء علي قوائم الاليزيه لتلقي الدعوة وذلك بعد التحريات الأمنية"، وزاد الخبر في تفاصيله أن الرئيس الفرنسي سيعلن أيضا في خطاب له إلى الشعب الفرنسي اليوم الثلاثاء "27 نوفمبر" عن سلسله إجراءت لامتصاص الغضب العارم وربما سحب مشروع زيادة الضرائب علي المحروقات، مثلما فعل الرئيس الأسبق جاك شيراك عام 1995".
وجاءت هذه الأخبار بعد يوم من الاحتجاجات التي شهدتها ساحة الشانزليزيه، والتي قام بها يوم السبت
أصحاب "السترات الصفراء" اعتراضا على الضرائب التي طرحها ماكرون العام الماضي على الديزل والبنزين، بهدف تشجيع المواطنين على التحول لاستخدام وسائل نقل أقل ضررا للبيئة، وارتفاع تكاليف الوقود والسياسات الاقتصادية، بالرغم من أن قدمت الحكومة حوافز لشراء سيارات كهربائية أو صديقة للبيئة، فقد تم تنظيم الإحتجاجات.
وقد تحولت الإحتجاجات إلى مواجهات بين المتظاهرين والشرطة، بعد أن استخدمت الأخيرة الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه لتفريق المحتجين الغاضبين، حيث تجمع آلاف المحتجين بالشانزليزيه، وتدخلت الشرطة بقوة لتفريقهم، وتدخلت الشرطة الفرنسية لمنع المحتجين من الوصول إلى قصر الإليزيه القريب من المنطقة، مستخدمة الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه.
وشهدت الإحتجاجات قيام بعض المحتجين بترديد النشيد الوطني ولوحوا بالعلم الفرنسي، بينما رفع آخرون لافتات كُتب عليها "ماكرون، استقالة" و"ماكرون، لص"، فيما قام محتجون آخرون وهم يجمعون الحجارة ويقيمون حواجز للرد على التدخل العنيف لرجال الشرطة، فيما ظهرت النيران مشتعلة في شارع الشانزليزيه، وبعض مخلفات الغازات المسيلة للدموع.
ولا شك أن سعي ماكرون لاستقبال زعماء الإحتجاجات من حركه "السترات الصفراء" يمثل رؤية سياسية من الرئيس الفرنسي لاستيعاب الموقف، ولم يقرر أن يقف ضدهم، أو يتخذ منهم موقفا سياسيا، ويعتبرهم أعداء النجاح، حيث بدا أنه حريص على إجراء حوار مع المحتجين والبحث عن بدائل.
القراءة السياسية لتوجهات ماكرون، ولو صحت وتم فحواها رسالة مهمة لحكام العالم، وخصوصا في منطقتنا والعالم الثالث، بأن الإيمان بوجود رأي أخر في الحياة العامة، وهناك مضارون من أي قرار إقتصادي أو سياسي، وليس كل قرار صائب، والدليل أن الموقف من سياسات ماكرون الإقتصادية قوبلت بغضب شعبي في فرنسا، لأنها مست حياة الناس، واضافت عليهم أعباءً، ويبدو أن الرجل أدرك ذلك وقد يفتح هذا الحوار المرتقب مع زعماء المحتجون بحثا عن مخرج و إتخاذ خطوات لامتصاص الغضب الشعبي.
من المهم أن يعي زعماء وساسة عالمنا والعالم الثالث ما يعتزم ماكرون الدخول فيه، بدلا من سياسة قمع المعارضين والمختلفين سياسياً واقتصادياً مع الحاكم، فالإيمان بالديمقراطية ممارسة وأفعالا، وليست مجرد أقوال.
---------------------
بقلم: محمود الحضري